روائع مختارة | روضة الدعاة | السيرة النبوية | 44 سنة وأدبًا.. من سنن السفر والسياحة وآدابهما

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > السيرة النبوية > 44 سنة وأدبًا.. من سنن السفر والسياحة وآدابهما


  44 سنة وأدبًا.. من سنن السفر والسياحة وآدابهما
     عدد مرات المشاهدة: 2469        عدد مرات الإرسال: 0

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الأمين، وبعد:  من سنن وآداب السفر والسياحة في الصيف وغيره يشدّ الكثير من الإخوة الرّحال إلى حيث يوجد الوالدان أو أحدهما، أو إلى الأقارب والديار، أو إلى الأماكن السياحية هنا أو هناك.

لذا ينبغي بيان بعض الآداب والتعاليم الشرعية المتعلقة بذلك.. ومنها: مسألة السفر إلى بلاد غير المسلمين، أو حتى إلى بلاد مسلمين ولكن بلاد يقل فيها الإلتزام بتعاليم الإسلام وآدابه، وتتراجع فيها مظاهر الحياة الإسلامية، حتى تنعدم أو تكاد..

ينبغي ألا يسافر المسلم إلى بلاد كهذه، حتى لا يعود من سفره وقد جرح إيمانه، وخدش دينه، وتراجع إلتزامه وعبادته وتقواه! فبئس السفر ذلك الذي يورث لصاحبه هذه النتيجة وتلك العاقبة، فعن جرير أن رسول الله قال: {أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين}. قالوا: يا رسول الله! ولم؟ قال: {لا تراءى ناراهما} [أبو داود] أي أنه يجب أن يكون الحد الفاصل الجغرافي بين المسلم والمشرك موجودًا بحيث إذا أشعل أحدهما نارًا في الليل لا يراها الآخر، ويمكن تقدير المسافة في الأرض المنبسطة بثلاثة كيلو مترات تقريبًا..!

هذا وإن في بلاد المسلمين الواسعة متسعًا لمن أراد النزهة والسياحة، وتبًا لنزهة وسياحة على حساب الدين والتقوى والآخرة والأخلاق..!

فإذا كان السفر سفر طاعة كما في حال برّ الوالدين وصلة الرحم والأقارب، وزيارة الإخوة في الله، ورؤية المسلمين ودعوتهم إلى الله تعالى، وتفقد أحوالهم، وإغاثتهم وغير ذلك، أو كان سفرًا مباحًا لا إثم فيه ولا معصية، فهناك جملة من السنن النبوية والآداب الإسلامية للسفر في ما يلي بعض منها:

(1) إذا وجدت النية للسفر فتستحب الإستخارة له ولغيره، فعن جابر أنه قال: {إذا همّ أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويسمي حاجته) خير لي في ديني ومعاشي، وعاجل أمري وآجله فاقدره لي، ويسّره لي، وبارك لي فيه، وإن كنت تعلمه شرًا لي في ديني ومعاشي، وعاجل أمري وآجله فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضّني به} [البخاري].

كما ينبغي للمسلم عمومًا وللمسافر خصوصًا أن يكتب ويدوّن وصية إذا كان له شيء يوصي به. وينبغي أيضًا أن يقضي ويسدد ديونه.

(2) كان يحب أن يخرج يوم الخميس، قال كعب بن مالك: لقلما كان رسول الله يخرج إذا خرج من سفر إلا يوم الخميس. [البخاري].

(3) وكان إذا وضع قدمه في الركاب إستعدادًا للركوب قال: {بسم الله}.

(4) فإذا استوى على ظهرها قال: {الحمد لله} ثلاثًا.

(5) و {الله أكبر} ثلاثًا.

(6) ثم يقول: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ [الزخرف:14،13].

(7) ثم يقول مرة ثانية: {الحمد لله} ثلاثًا.

(8) ويقول مرة ثانية أيضًا: {والله أكبر} ثلاثًا.

(9) ثم يقول: {سبحان الله} ثلاثًا.

(10) ثم يقول: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، سبحانك إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت} [النسائي].

(11) ثم يقول: {اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل} [مسلم].

(12) وإذا رجع من السفر قالهن وزاد فيهن: {آيبون، تائبون، عابدون، حامدون، لربنا ساجدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده} [البخاري].

(13) ورد عنه أنه كان يقول: {أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من الضبنة في السفر - وهي ما تحت يده من مال وعيال ومن تلزم نفقته - وكآبة المنقلب، ومن الحور بعد الكور - الحور: النقض، والكور: اللف والإبرام - ومن دعوة المظلوم، ومن سوء المنظر في الأهل والمال} [أحمد]. تعوّذ من كثرة العيال في مظنة الحاجة وهو السفر، ومن فساد الأمور بعد استقامتها، أو من نقصانها بعد زيادتها.

(14) وكان إذا ودّع أصحابه في السفر يقول لأحدهم: {أستودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك} [أبو داود].

(15) يشرع للمسلم أن يطلب التوجيه من أهل الصلاح، فقد جاء إليه رجل، فقال: يا رسول الله، إني أريد سفرًا، فزوّدني؟ فقال: {زوّدك الله التقوى} قال: زدني! قال: {وغفر لك ذنبك}. قال: زدني! قال: {ويسّر لك الخير حيثما كنت} [البيهقي].

(16) يشرع للمسافر أيضًا أن يخبر من يحب بعزمه على السفر فقد قال رجل للنبي: إني أريد سفرًا! فقال: {أوصيك بتقوى الله! والتكبير على كل شرف} (أي كل مكان مرتفع)، فلما ولّى قال: {اللهم ازو له الأرض، وهّون عليه السفر!} [ابن حبان].

(17) وكان النبي وأصحابه إذا علوا الثنايا كبّروا، وإذا هبطوا سبّحوا، فوضعت الصلاة على ذلك (أي في الوقوف التكبير، وفي الانخفاض التسبيح في الركوع والسجود) [أبو داود].

(18) وقال أنس: كان النبي إذا علا شرفًا من الأرض أو نشزًا قال: {اللهم لك الشرف على كل شرف، ولك الحمد على كل حمد} [أحمد].

(19) وكان إذا كان يسير في مجموعة سار سيرًا هادئًا، ويسمى (العنق) فإذا وجد فراغًا أسرع قليلًا، ويسمى (النّص). [ابن خزيمة].

(20) وكان يقول: {لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس} [مسلم].

(21) ورد عنه أنه دخل أهله (أي على أهله) قال: {توبًا توبًا، لربنا أوبًا، لا يغادر علينا حوبًا} [أحمد].

(22) وكان يكره للمسافر وحده أن يسير بالليل، قال: {لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار أحد وحده بليل} [البخاري].

(23) وكان يكره السفر للواحد بلا رفقة، فقد ورد عنه أنه قال: {الواحد شيطان، والاثنان شيطانان، والثلاثة ركب} [مالك وأحمد].

(24) وكان يقول: {إذا نزل أحدكم منزلًا فليقل: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه} [مسلم].

(25) ورد عنه أنه كان إذا غزا أو سافر، فأدركه الليل قال: {يا أرض ربي وربك الله! أعوذ بالله من شرّك وشرّ ما فيك، وشر ما خلق فيك، وشر ما دب عليك، أعوذ بالله من شر كل أسد وأسود، وحية وعقرب، ومن شر ساكن البلد، ومن شر والد وما ولد} [ابن خزيمة].

(26) وكان يقول: {إذا عرّستم (نزلتم في السفر) فاجتنبوا الطريق، فإنها طريق الدواب، ومأوى الهوامّ بالليل} [مسلم].

(27) وكان إذا رأى قرية يريد دخولها، قال حين يراها: {اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها} [ابن خزيمة].

(28) وكان إذا ظهر الفجر وبدا في السفر قال: {سمع سامع بحمد الله، وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا، وأفضل علينا، عائذًا بالله من النار!} [مسلم].

(29) وكان ينهى أن تسافر المرأة بغير محرم ولو مسافة بريد (20 كلم تقريبًا) [رواه ابن خزيمة]، وهو عند البخاري ومسلم بلفظ: {لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم}.

(30) وكان يأمر المسافر إذا قضى نهمته (غرضه) من سفره أن يعجّل الأوبة (الرجعة) إلى أهله. وأخبر أن {السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه} [البخاري].

(31) وكان ينهى أن يطرق الرجل أهله ليلًا، إذا طالت غيبته عنهم، بل يدخل عليهم غدوة أو عشية [البخاري ومسلم]. وهذا من كمال الأدب وعظيم الاحترام بين رب الأسرة وزوجه وأفراد أسرته، وتقدير الخصوصيات بينهم، فمع أن البيت بيته، والملك ملكه، والأسرة أسرته، إلا أن الأدب النبوي اقتضى ألا يدخل الرجل بيته بعد السفر الطويل (3 أيام فأكثر) إلا في حال صحو ويقظة، وهذا إذا لم يتمكن من مهاتفتهم، وذلك حتى لا يشاهد الرجل في بيته ما يكره، ولكي لا ينزعج أفراد الأسرة أو بعضهم بدخول البيت وهم نائمون.

(32) وكان إذا قدم من سفر يلقّي (يستقبل) بالولدان من أهل بيته، قال عبد الله بن جعفر: قدم مرة من سفر فسبق بي إليه، فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة: إما حسن وإما حسين، فأردفه خلفه، قال: فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة. [مسلم].

(33) وكان يعتنق القادم من سفره ويقبّله، قالت عائشة: قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله في بيتي، فأتاه، فقرع الباب، فقام إليه رسول الله يجرّ ثوبه، فاعتنقه وقبله. [الترمذي]. وعن الشعبي أن النبي تلقى جعفر بن أبي طالب فالتزمه، وقبّل ما بين عينيه [أبو داود]. 

(34) وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد، فركع فيه. [البخاري ومسلم].

(35) يستحب أن يقوم الأصحاب في السفر بتأمير واحد منهم يطيعونه، فعن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله: {إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم} [أبو داود].

(36) خير أعداد الأصحاب أربعة، فعن ابن عباس أنه قال: {خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب إثنا عشر ألفًا من قلة} [أبو داود].

(37) كان النبي إذا نزل (الاستراحة) في السفر. فإن كان بليل اضطجع، وإن كان قبيل الصبح نصب ذراعه، ووضع رأسه على كفه. [مسلم]، قال أهل العلم: إنما نصب ذراعه لئلا يستغرق في النوم، فتفوت صلاة الصبح..!

(38) السير بالليل مستحب إذا لم تكن هناك مخاطر واضحة، فعن أنس أنه قال: {عليكم بالدّلجة، فإن الأرض تطوى بالليل} [ابن خزيمة]. أما إذا انطوى السير بالليل على خطورة بيّنة، من نعاس سائق أو ضعف أنوار السيارة، أو عدم وضوح الطريق، أو وجود ضباب ونحوه فلا يجوز السير بالليل..!

(39) لا ينبغي للأصحاب التفرق عند النزول في مكان أثناء السفر بل الأفضل الاجتماع والتقارب، فعن أبي ثعلبة قال: كان الناس إذا نزلوا منزلًا تفرّقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله: {إن تفرّقكم في الشعاب والأودية، إنما ذلكم من الشيطان!} فلم ينزلوا بعد ذلك منزلًا إلا انضمّ بعضهم إلى بعض. [أبو داود]. فتفرق الجماعة له سلبيات قد تكون خطيرة، إضافة إلى سلبية مخالفة هذه السنة النبوية الشريفة.

(40) ينبغي مساعدة من يحتاج إلى ذلك من الأصحاب في السفر،، فعن جابر قال: كان رسول الله يتخلف في المسير، فيزجي (يساعد) الضعيف، ويردف، ويدعو لهم. [أبو داود].

(41) يجب التزام أنظمة السير في السفر كما يجب التزامها داخل المدن، ولا يجوز الإخلال بها، لما في التزامها من طاعة من تلزم طاعتهم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [النساء]، ولما في التزامها من تحقيق المصلحة ودفع المفسدة.

(42) ينبغي تفقد المركبة، والحرص على استيفائها شروط السلامة، ومتطلبات السفر، حتى لا يقع محذور أو مكروه، وربما يمكن أن تقاس على البهائم، قال: {اتقوا الله في هذه البهائم، فاركبوها صالحة..} الحديث [أبو داود]. وقال أنس: كنا إذا نزلنا منزلًا لا نسبّح (أي لا نصلي النافلة) حتى نحلّ الرحال. [أبو داود]. أي أننا مع حرصنا على الصلاة لا نقدّمها على حطّ الرحال وإراحة الدواب..

(43) دعاء السفر ترجى استجابته، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: {ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهنّ: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالدة على ولده!} [أبو داود].

(44) إذا خيف من أناس أو غيرهم فيقال: (اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم) [أبو داود].

 وصايا لمن لزمه السفر إلى بلاد يقل فيها الإلتزام بالإسلام أو ينعدم

قد يكون السفر إلى مثل تلك البلاد أمرًا لا مناص منه لسبب من الأسباب المشروعة، وحينئذ لابد من تقديم بعض الوصايا، مثل:

(1) أن يعلم المسافر أن الله تعالى مالك الملك كله، وخالق السموات والأرض جميعًا، وهو تعالى مطّلع على الإنسان وغيره في أي زمان ومكان ولا تخفى عليه سبحانه خافية.

(2) أن يعلم المسافر أنه قد تنتهي حياته في أية لحظة. فلا بد من الحذر من سوء الخاتمة.

(3) أن يحذر المسافر من الازدواجية الرديئة في الشخصية. فلا يكون إنسانًا صالحًا في زمان أو مكان، وإنسانًا منحرفًا غافلًا في زمان أو مكان آخر.

(4) أنه بدلًا من أن يغفل المسافر تقليدًا للغافلين.. بدلًا من ذلك يأخذ العبرة من حياة الغافلين ويشفق عليهم ويرحمهم.

(5) أن يضاعف المسافر الحرص على أداء حقوق الله تعالى عندما يجد نفسه في بيئة لا هية غافلة، لكي لا يتأثر بالغافلين.

(6) عدم الانخداع ببعض المظاهر البراقة في حياة الغافلين. فلو فتّش الإنسان عما وراءها لوجد المعاناة الكثيرة والمشكلات الخطيرة في حياتهم.

(7) أن يعلم المسافر أن الآخرين عندما يعلمون بأنه مسلم وعربي ومن جنسية معيّنة؛ فإنهم يعتبرونه ممثلًا وسفيرًا للإسلام وللعرب وللجنسية التي يحملها، فهل يرضى الإنسان لنفسه أن يكون مفسدًا لسمعة دينه وعروبته وجنسيته؟ إلى غير ذلك من الوصايا التي لا تخفى على اللبيب.

هذا ما تيسّر جمعه من سنن السفر وآدابه، التي يحسن بالمسلم أن يتفقّه فيها، ويعمل بها، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

حررت هذه الرسالة عصر يوم الخميس 4 3 1420هـ.

الكاتب: حمدان بن محمد الحمدان

المصدر: موقع كلمات